الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
وقوله: (1) ذكر المؤلف رحمه الله أربع آيات في صفة العفو والقدرة والمغفرة والرحمة والعزة: الآية الأولى: في العفو والمقدرة : قوله: يعني : إن تفعلوا خيراً ، فتبدوه ؛ أي : تظهروه للناس ، وفي الآية الثانية: ولكل آية مكانها ومناسبتها لمن تأمل . وقوله : 1-فإذا كان مسباً للزيادة في الطغيان ؛ كان العفو هنا مذموماً ، وربما يكون ممنوعاً ؛ مثل أن نعفوا عن هذا المجرم ، ونعلم - أو يغلب على الظن أنه يذهب فيجرم إجراماً أكبر ؛ فهنا لا يمدح العافي ؛ عنه ، بل يذم. 2-وقد يكون العفو سبباً للانتهاء عن العدوان ؛ بحيث يخجل ويقول : هذا الذي عفا عني لا يمكن أن أعتدي عليه مرة أخرى، ولا على أحد غيره. فيخجل أن يكون هو من المعتدين ، وهذا الرجل من العافين ؛ فالعفو محمود ومطلوب وقد يكون واجباً. 3-وقد يكون العفو لا يؤثر ازدياداً ولا نقصاً ؛ فهو أفضل لقوله تعالى : وهنا يقول تعالى: (أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً( ؛ يعني: إذا عفوتم عن السوء ؛ عفا الله عنكم ، ويؤخذ هذا الحكم من الجواب: ولهذا جمع الله تعالي بين هذين الاسمين ( العفو) و ( التقدير ) : فالعفو: هو المتجاور عن سيئات عباده، والغالب أن العفو يكون عن ترك الواجبات، و المغفرة عن فعل المحرمات. والقدير: ذو القدرة يتمكن بها الفاعل من الفعل بدون عجز. وهذان الاسمان يتضمنان صفتين، وهما العفو، والقدرة. (1) الآية الثانية: في المغفرة والرحمة: قوله: · هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، وذلك أن مسطح بن أثاثه رضي الله عنه كان ابن خالة أبي بكر، وكان ممن تكلموا في الإفك. وقصة الإفك (2) تكلموا فيها، وكان أكثر من تكلم فيها المنافقون، وتكلم فيها نفر من الصحابة رضي الله عنهم معروفون بالصلاح، ومنهم مسطح بن أثاثة، فلما تكلم فيها، وكان هذا من أكبر القطيعة قطعية الرحم أن يتكلم إنسان في قريبه بما يخدش كرامته، لا سيما وأن ذلك في أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقسم أبو بكر إلا ينفق عليه، وكان أبو بكر هو الذي ينفق عليه، فقال الله تعالي: هذا هو ما نزلت فيه الآية: · أما تفسيرها، فقوله: · قوله: {وليعفوا} ، يعني: يتجاوزوا عن الأخذ بالذنب. · {وليصفحوا}، يعني: يعرضوا عن هذا الأمر، ولا يتكلموا فيه، مأخوذ من صفحة العنق، وهي جانبه، لأن الإنسان إذا أعرض، فالذي يبدو منه صفحة العنق. والفرق بين العفو والصفح: أن الإنسان قد يعفو ولا يصفح، بل يذكر هذا العدوان وهذه الإساءة، لكنه لا يأخذ بالندب، فالصفح أبلغ من مجرد العفو. · وقوله: {ألا تحبون أن يغفو الله لكم}: {ألا}: للعرض، والجواب: بلي نحب ذلك، فإذا كنا نحب أن يغفر الله لنا، فلتتعرض لأسباب المغفرة. · ثم قال: وبعد هذا نقول: إنها جامعة بين الأمرين، فهي صفة مشبهة، لأن المغفرة صفة دائمة لله عز وجل، وهي أيضاً فعل يقع بكثرة، فما أكثر مغفرة الله عز وجل وما أعظمها. · وقوله: {رحيم}: هذه أيضاً اسم فاعل محول إلي صيغة المبالغة، وأصل أسم الفاعل من رحم: راحم، لكن حول إلي رحيم لكثرة رحمة الله عز وجل وكثرة من يرحمهم الله عز وجل. والله سبحانه وتعالي يقرن بين هذين الاسمين، لأنهما دالان على معني متشابه، ففي المغفرة زوال المكروب و اثار الذنب، وفي الرحمة حصول المطلوب، كما قال الله تعالي للجنة:
وقوله: {ولله العزة ولرسوله والمؤمنين} (1)................................. (1) الآية الثالثة: في العزة، وهي قوله: · هذه الآية نزلت في مقابلة قول المنافقين: · ومقتضى قول المنافقين أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلي آله وسلم والمؤمنين هم الذين يخرجون المنافقين، لأنهم أهل العزة، والمنافقين أهل الذلة، ولهذا كانوا يحسبون كل صيحة عليهم، وذلك لذلهم وهلعهم، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا، قالوا: آمنا، خوفاً وجبناً، وإذا خلوا إلي شياطينهم ، قالوا: إنا معكم، إنما نحن مستهزءون ! وهذا غاية الذل. أما المؤمنون، فكانوا أعزاء بدينهم، قال الله عنهم في مجادلة أهل الكتاب: · وفي هذه الآية الكريمة إثبات العزة لله سبحانه وتعالي. وذكر أهل العلم أن العزة تنقسم إلي ثلاثة أقسام: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع: 1. فعزة القدر: معناه أن الله تعالي ذو قدر عزيز، يعني: لا نظير له. 2. وعزة القهر: هي عزة الغلبة، يعني: أنه غالب كل شيء، قاهر كل شيء، ومنه قوله تعالي: 3. وعزة الامتناع: وهي أن الله تعالي يمتنع أن يناله سوء أو نقص، فهو مأخوذ من القوة والصلابة، ومنه قولهم: أرض عزاز، يعني قوية شديدة. هذه معاني العزة التي أثبتها الله تعالي لنفسه، وهي تدل على كمال قهره وسلطانه، وعلي كمال صفاته، وعلي تمام تنزهه عن النقص. تدل على كمال قهره وسلطانه في عزة القهر. وعلى تمام صفاته وكمالها وأنه لا مثيل لها في عزة القدر. وعلى تمام تنزهه عن العيب والنقص في عزة الامتناع. · قوله: · ولكن يجب أن نعلم أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كعزة الله، فإن عزة الرسول عليه الصلاة والمؤمنين قد يشوبها ذلة، لقوله تعالي: وبهذا عرفنا أن العزة التي أثبتها الله لرسوله وللمؤمنين ليست كالعزة التي أثبتها لنفسه. وهذا أيضاً يمكن أن يؤخذ من القاعدة العامة، وهي أنه: لا يلزم من اتفاق الاسمين أن يتماثل المسميان، ولا من اتفاق الصفتين أن يتماثل الموصوفان.
وقوله عن إبليس: (1) الآية الرابعة: في العزة أيضاً، وهي قوله عن إبليس: · الباء هنا للقسم، لكنه اختار القسم بالعزة دون غيرها من الصفات لأن المقام مقام مغالبة، فكأنه قال: بعزتك التي تغلب بها من سواك لأغوين هؤلاء وأسطير عليهم يعني: بني آدم حتى يخرجوا من الرشد إلي الغي. ويستثني من هذا عباد الله المخلصون، فإن إبليس لا يستطيع أن يغويهم، كما قال تعالي: ففي هاتين الآيتين إثبات العزة لله. وفي الآية الثالثة إثبات أن الشيطان يقر بصفات الله! فكيف نجد من بني آدم من ينكر صفات الله أو بعضها، أيكون الشيطان أعلم بالله وأعقل مسلكاً من هؤلاء النفاة؟! ما نستفيده من الناحية المسلكية: في العفو والصفح: هو أننا إذا علمنا أن الله عفو، وأنه قدير، أوجب لنا ذلك أن نسأله العفو دائماً، وأن نرجو منه العفو عما حصل منا من التقصير في الواجب. أما العزة أيضاً: نقول: إذا علمنا أن الله عزيز، فإننا لا يمكن أن نفعل فعلاً نحارب الله فيه. مثلاً الإنسان المرابي معاملته مع الله المحاربة: قطع الطريق محاربة: ويمكن أن نقول فيها فائدة من الناحية المسلكية أيضاً، وهي أن الإنسان المؤمن ينبغي له أن يكون عزيزاً في دينه، بحيث لا يذل أمام أحد من الناس، كائناً من كان، على المؤمنين، فيكون عزيزاً على الكافرين، ذليلاً على المؤمنين.
|